من رحم تطوان، الحمامة الأندلسية الببضاء، خرجت الفنانة أمينة الحراق.
وبين حواريها وأزقتها الأصيلة الجميلة، درجت وتفتحت وتشربت جمال أمكنتها وعبق أزمنتها.
منذ طفولتها وصباها أخذت أمينة الحراق بسحر تطوان ووقعت في عشق تطوان. وترجمت هذا العشق إلى لوحات فنية راقية وبليغة، ناطقة بما أسماه باشلار «جماليات المكان».
وتطوان مسرح أثري شمالي حافل بهذه الجماليات المكانية، ومعين إلهام فني لا ينضب، لمن امتلك عينا فنية رائية، كعين أمينة الحراق.
تمسح الفنانة أمينة وتتقرى أمكنة تطوان، بالحواس الخمس. تمسحها وتتقراها بالبصر والبصيرة. فإذا الصورة توأم الأصل، وتوأم الروح.
وإذا الأصل يزداد، عبر الصورة، أصالة وبهاء. وتلك آية نبوغ كل فنان، أن يذهب بالإلهام إلى حده الأقصى.
ميزة أمينة، أن ترسم على السجية وبمهارة فنية ذكية وأنيقة، تعرف جيدا كيف تلتقط مشاهدها وأمكنتها، وكيف تنحت وتأثث لوحاتها الجميلة، وكيف تبتعث روح الإنسان الشمالي البسيط-الأصيل في ثنايا اللوحة وفسحتها، فإذا اللوحة حية تسعى أمام المشاهد، يكاد يلتحم بها ويغوص في أسرارها وتفاصيلها الحميمة.لم تشأ الفنانة أمينة، عن قصد وسبق إصرار، الإنجراف مع تيارات الفن التجريدي السائدة، بل آثرت أن تغمس ريشها في محابر المدرسة التشكيلية الطبيعية، بكل أناقتها ونصوعها ودقة ملاحظتها. فكانت لوحاتها في هذا الصدد، أبلغ من كل لوحة تجريدية، وأبلغ أيضا من كل لوحة فوتوغرافية، بل وأبلغ من المكان-المرجع ذاته.
هذا النمط من التشكيل، هو الملائم تماما لفضاء مدينة تطوان، وهو الأقدر على البوح البصري بعشق تطوان.
في جل لوحاتها، وجل معارضها، ظلت أمينة الحراق، أمينة لتطوان وفية لذكرياتها، لصيقة بأمكنتها وأزمنتها.
وكم منزل في الأرض يألفه الفتى
فحنينه أبدا لأول منزل
وبلا شك، فإن حنين الفتاة يكون أعمق وأشف من حنين الفتى!
هذه هي أمينة الحراق،
فنانة أصيلة خارجة من أصلاب تطوان، وغارقة في عشق تطوان.
ومحفل لوحاتها يغني عن كل بيان.
تعليقات:
